مثل كل من أحمد أويحيى، وزير الدولة رئيس الديوان برئاسة الجمهورية، وعبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، وجهين متناقضين في خطاب مرشح واحد وهو مرشح العهدة الرابعة. هذا التناقض يبرز بوضوح في توصيف طبيعة البرنامج الخماسي المقبل للرئيس المترشح. فهل الأمر مجرد مناورة أم أنه مقصود، الهدف منه استقطاب ما أمكن من أصوات الجزائريين على اختلاف توجهاتهم وخلفياتهم الإيديولوجية؟
العائدان للواجهة بعد سنة من "الكسوف السياسي"، يتقاطعان فقط في الإشادة بإنجازات "الرئيس المترشح" خلال الـ15 سنة التي قضاها في قصر المرادية، ومن ثم تبرير دعمهما لـ"العهدة الرابعة"، التي تلقى معارضة من طرف طبقة سياسية تعتقد أنها باتت تشكل "خطرا على استقرار البلاد".
الإشادة بإنجازات الرئيس من قبل أويحيى وبلخادم لا تعدو ــ برأي المتتبعين ــ أن تكون محاولة أيضا من قبل الرجلين لإبعاد تهمة الفشل التي لاحقتهما في تلك الفترة، كونهما ترأسا الحكومة منذ العام 2003 وإلى غاية 2012، (أويحيى من ماي 2003 إلى ماي 2006، ثم من جوان 2008 إلى سبتمبر 2012، في حين أن بلخادم من ماي 2006 إلى جوان 2008)، لكنهما يختلفان في تسويق البضاعة السياسية للرئيس المترشح، وهو ما أربك المواطن وحال دون تمكّنه من بناء تصور واضح بشأن ما سيقوم به الرئيس المترشح في حال فوزه في الاستحقاق المقبل.
ويمكن الوقوف على هذا التناقض من خلال العودة إلى ما صدر عن الرجلين خلال المهرجانات الشعبية التي نشطاها في الحملة الانتخابية التي تشرف على نهايتها، فالفكرة التي دأب الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني السابق على تكرارها في خطاباته، مفادها أن "العهدة الرابعة" ستكون بمثابة "مرحلة انتقالية" يميّزها "تسليم المشعل للشباب"، وفي ذلك "مغازلة انتخابية" لأطراف سياسية ولشريحة الشباب على وجه الخصوص التي تثمل ثلاثة أرباع الجزائريين.
غير أن الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي السابق، يبدو أنه غير متفق تماما مع بلخادم في هذه النقطة بالذات، فهو يرفض مشروع "المرحلة الانتقالية"، ولعل ما يؤكد هذا، ما صدر على لسانه في المهرجان الشعبي الذي نشطه بأم البواقي، في إطار الحملة الانتخابية، عندما قال: "لقد سبق للجزائر وأن عاشتها (يقصد هنا المرحلة الانتقالية) في الفترة الممتدة ما بين 1992 إلى 1995"، وهو ما يعني أن هذا الأمر ليس مجرد تصريح عابر، وإنما موقف سياسي راسخ لدى الرجل دأب على توظيفه في الرد على مطالب أحزاب سياسية مثل جبهة القوى الاشتراكية.
والواقع أن التمايز الذي يصل حد التناقض في الخطاب السياسي لكل من أويحيى وبلخادم، ليس وليد اليوم بل طبع فترة حكم الرئيس بوتفليقة بكاملها، وربما شكّل ذلك إستراتيجية مدروسة الهدف منها التنفيس عن توجهات فريقين سياسيين متجذرين في الساحة السياسية بغض النظر عن ثقلهما الشعبي، وهما التيار العروبي الإسلامي "المصالحاتي"، الذي يعتقد أن عبد العزيز بلخادم يمثله، وكذا التيار اللائكي الفرانكوفيلي الاستئصالي، الذي يعتقد أن أحمد أويحيى يشكل واجهته.
ومن شأن هذه "الاستراتيجية السياسية" للرئيس المترشح، أن تساهم في الحفاظ على التوازنات في هرم السلطة بين أجنحة النظام القائم، وتدفعها إلى ترك خلافاتها الظرفية جانبا، والاصطفاف خلف "العهدة الرابعة" باعتبارها تشكل ضمانا لاستمرار المصالح الفئوية لهذه العصب، وهو معطى يساهم في تعزيز فرص نجاح "الرئيس المترشح".