"العلاج عبارة عن خلطة نادرة جدا جدا، ومدة العلاج تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أسابيع كأقصى حد، وهي فترة انحسار الأورام واختفائها كليا"، هذا الجواب المبشّر بالشفاء، وصل إلى البريد الإلكتروني لعائلة جزائرية من ولاية ميلة، من موقع عراقي أعلن عن قدرة أطبائه على علاج السرطان بشكل نهائي وتام، كانت العائلة قد راسلته بشأن موافاتها بالعلاج لفائدة الابنة التي تبلغ من العمر20 سنة والتي اعتقد الأطباء أنها مصابة بسرطان الكبد، ولكن تبيّن أن هذا الموقع يديره محتالون تجرّدوا من عواطفهم، فلم تعد مشاعر الناس الذين ابتلوا بالسرطان تمثّل لهم أكثر من 1000 دولار.
وحول ما جرى لهذه العائلة تقول خالة الفتاة التي تولت مراسلة الموقع: "بعد أن أخبرنا الأطباء أن ابنة أختي مصابة بسرطان الكبد لم نستسلم، بل بدأنا في البحث عن بصيص أمل بعيدا عن العلاج الكيمائي، فاتصلنا بمراكز للأعشاب داخل الجزائر وخارجها، ولمّا استحوذ علينا القلق وازدادت مخاوفنا، قرّرت أن أفتش في الأنترنت عن مراكز لعلاج السرطان في العالم، فإذا بي أصادف شخصاً يعلن عن مركز عراقي استطاع أن يشفي عددا من أفراد أسرته من السرطان، وقد أرفق إعلانه الذي بدأه وأنهاه بـ"خطبة عصماء" عن المركز، برقم هاتفه الأمر الذي جعلني أتصل به أكثر من مرة لأتأكد من صحة كلامه ولكنه لم يردّ، فما كان مني إلاّ أن تصفّحت الموقع العراقي الذي كان ينحي باللائمة على عدد من المراكز الطبية المتطورة في علاج السرطان عبر العالم، وبعض الأشخاص المتخصصين في الطب البديل لكونهم يتلاعبون بالناس ويوهمونهم بالشفاء، بينما هم غير قادرين على ذلك. وما عزّز ثقتي بهذا المركز أنه وضع أسماء وأرقام هواتف الأشخاص الذين تمّ شفاؤهم من السرطان على يد المركز بما فيه جزائريون، استبشرت خيرا بهذه المعلومات، واتصلت بالموقع فكان الرد سريعا، حيث تلقيت رسالة تقول إن سرطان الكبد الذي تعاني منه مريضتنا ميؤوس منه طبيا، ولكن المركز لديه خلطة نادرة جدا قادرة على شفاء جميع الأورام السرطانية، ولم ينس الطبيب المزعوم الذي ذيّل الرسالة باسمه بالكامل أن يقول لي أننا محظوظون بهذا الدواء، ذلك لأن الكمية محدودة وإذا لم نرسل مبلغ 500 دولار عبر شركة تحويل الأموال عبر العالم" واسترن يونيون" في ظرف 24 ساعة سيتم تحويله إلى شخص آخر، منذ تلك اللحظة دخلنا في سباق ضد الزمن لإرسال المبلغ قبل انقضاء المدة المحددة، ولكن شركة "واسترن يونيون" رفضت تحويل المبلغ إلى العراق بحجة أن الجزائر تمنع تحويل أي مبلغ نحو الخارج لإغلاق الباب في وجه مهرِّبي الأموال، وباءت كل محاولاتنا بالفشل في سبيل إقناع الموظفين هناك بالأمر، ولكننا استطعنا أن نكلّف صديق العائلة الذي يعمل في شركة بترولية بمدينة أربيل العراقية بإرسال المبلغ من هناك على أن يرسل لنا الدواء عبر الخطوط الجوية في ظرف 48 ساعة، ولكن أحد المكلفين بالموقع أخبره أن المبلغ المطلوب هو 1000 دولار وليس 500 فوافقنا على الفور، ولكن بعد تحريات أجراها صديقنا، اتضح أن المركز لا وجود له في ذلك الشارع المذكور في الرسالة، كما أن المركز المزعوم حاول إيجاد حجج واهية لعدم إرسال الدواء لأربيل، فصرفنا النظر عن الموضوع، وفوضّنا أمرنا إلى الله الذي أدخل السرور إلى أفئدتنا حينما تأكد لنا أن ابنة أختي لا تعاني من سرطان، بل الأمر يتعلق بخطأ في التشخيص".
وجدير بالذكر أن هذا المركز العراقي، احتال على شخص سعودي أرسل له مبلغ 1000 دولار، ولكنه لم يرسل له الدواء عبر الطائرة بحجة أنه سيتعرض للتلف، ثم طلب منه مبلغ 300 دولار ليرسله له مع المعتمرين والحجّاج، ثم ادّعى أن الأفضل أن تتولى شركة نقل ذلك، وانتهى الأمر بأن اكتشف هذا السعودي أن الموقع لا وجود له، وأن محتالين ــ ولعله محتال واحد ــ استغلوا حاجة المرضى للشفاء فاحتالوا عليهم بهذه الطريقة المشينة.
بدورها تقمّصت "الشروق" دور مريض جزائري مصاب بالسرطان، وراسلت الموقع للتأكد ما إذا كان ما يزال على "عهده" في الاحتيال، فإذا بطبيب وضع اسمه الكامل يردُّ على الرسالة طالبا التقارير الطبية "لمطالعتها ومدارستها من قبل لجنة طبية استشارية متخصصة لبيان مدى استفادة المريض من العلاج الجديد"، وهذه هي الرسالة التي تلقتها محدثتنا التي أخبرها أحد المحتالين أن هناك عددا كبيرا من الجزائريين اتصلوا بالمركز للاستفادة من العلاج الذي يتكون من خلطة "نادرة جدا" مكونة من "الاحتيال، وجفاف المشاعر، وعدم الخوف من الله تعالى"، فالحذر كل الحذر من الوثوق بهذا المركز، أو أي مركز "افتراضي" يوهم الناس بالشفاء.